
مناقشات وردود مع الشيخ عبد الغني النابلسي | د. سعيد فودة
(مُنَاقَشَاتٌ وَردُودٌ مَعَ الشّيخ عَبدِ الغَنيّ النّابلسِيّ)
قد أوجب الله تعالى على أهل العلم بيان هذا الدين، ولم يعذرهم بإنكار الناس والمخالفين عليهم، ولا التشنيع عليهم، بل أمرهم بالجدال بالتي هي أحسن، وذلك بحسب الوسع والطاقة. ولن تزال هذه الوظيفة مناطة بأهل العلم والباحثين الذي تصدوا لمضايق المسائل، وما يحتاجه الناس في دينهم، وهم يعلمون أن النكير والأذى متوجه عليهم، والواجب دائما الثبات على الطريق الحق والصراط المستقيم ما أمكن.
ومما نراه صار واجبا في هذا الزمان البدء بالكشف شيئا فشيئا عن مذهب خطير، بناه أصحابه على أصول مخالفة لأصول أهل السنة، وفرعوا عليه فروعا عجيبة يصاب المرء بالدهشة إذا فهم ما يقولون؛ لأنه يعلم تماما أن كثيرا من أقوالهم تفضي إلى مناقضة ما استقرت عليه أفهام أعلام الإسلام من مختلف الفرق الإسلامية فضلا عن أهل السنة والجماعة القائمين بالحق عبر القرون والعصور. ونحن نشير إلى أهل مذهب وحدة الوجود وأتباع ابن عربي الحاتمي، لا إلى زعيمهم بعينه.
وقد أظهرنا للناس أجمعين في الكتاب الذي أصدرناه في مسألة تحول عذاب أهل النار إلى عذوبة بعد فترة من الآلام، أن كثيرا من الأصول التي يبني عليها ابن عربي رأيه النظر والاستدلال بالكتاب والسنة، وتأويلات خاصة له لكلمات في بعض آيات القرآن أو أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يكاد يستسيغها من يعرف قواعد الأصول أو وضع اللغة العربية وقواعدها النحوية والبيانية.
ونحن يجوز لنا أن نعيد النظر فيما قرروه من كلتا الجهتين ، أما دعوى العرفان والكشف، فيجب أن لا يخالف الكشف ما أظهرته أدلة الشريعة، كما اتفق على ذلك أهل السنة وغيرهم من أعلام المسلمين من مختلف الفرق، وأما ما ساقوه من تأويلات وأفهام أو معارضات لكلام الأعلام، فنحن وهم فيه سواء، الحجّة بالحجّة والدّليل بالدّليل.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا يساهم في الكشف عن جوانب لبعض أعلامهم المشهورين الذين جاهدوا الناس في سبيل الدفاع عن ابن عربي وعن مذهب وحدة الوجود، وناقضوا كل من خالفه، وحاولوا إبطال كل دليل وحجة أقيمت لإظهار بطلان مذهبهم، وكتب في ذلك عدة كتب، وهذا المدافع الشهير عنهم القائل بمذهبهم هو الشيخ الشهير عبد الغني النابلسي الذي كتب مجموعة كبيرة من الكتب في مختلف العلوم الحديثية والفقهية والعقائدية وغيرها.
وقد أظهرنا في هذا الكتاب مجموعة من الجهات والاعتبارات التي تتعلق بالشيخ عبد الغني النابلسي، وخصوصا ما يتعلق منها بمذهب وحدة الوجود، ودفاعه عنه، وتأويلاته لبعض الآيات والأحاديث، وطرائق رده على المخالفين، وتعامله مع الموافقين والمخالفين لمذهبه المختار، وتدبيره لأمور المريدين من الطلاب والمشايخ الذين يتعامل معهم.
واعتمدت أساسا على كتاب مراسلات النابلسي المسمى بوسائل التحقيق ورسائل التوفيق، وهي عبارة عن مجموعة رسائل خاطب بها مشايخ وأصحابًا، وبعضها رد فيها على علماء...
وليس قصدنا التشنيع عليه فيما خالفناه فيه، ولا الحط من مكانته ولا من مقامه، فليس ذلك وارادا في حساباتنا أصلا، ولكن المقصود هو النقد العلمي لآرائه التي ننافح عنها بطريقة منصفة بحسب القدرة والطاقة، والدفاع عما نعتقد أنه الأحق بالصواب باتباع الموازين العلمية المعتبرة. وإظهار وجاهة مذهب أهل السنة كما وضحه وقرره المحققون من أعلامهم، وحرصًا منّا على عدم الخلط بين المذاهب والجمع بين الأصول المتعارضة فإن هذا من أعظم أسباب إضعاف المذاهب والطرائق العلمية لما يشتمل عليه من تناقض وتضاد داخلي سيفضي ولو بعد حين إلى إعمال أثره ليترتب الضعف والخمول ويسيطر على مشاعر المنتسبين إليه وعقولهم.
فتنقية المذهب مما يشوبه هو في نظرنا من أعظم أسباب استرجاعه لقوته وإحداث الآثار الحقيقية المترتبة عليه، ولذلك فإن التفسيرات الخاطئة لأي مذهب غالبا ما تكون سببا في اندثاره وفي تراجع الناس عن الاعتقاد به والعمل بما يقتضيه..
وأيضًا ناقشنا بعض الرسائل المتعلقة بابن عربي، كالرسالة التي كتبها العلامة مجد الدين الفيروزآبادي وسماها الاغتباط بمعالجة ابن الخياط، ردّ فيها على الفقيه أبي بكر ابن الخياط في رسالته التي وضّح فيها موقفه من ابن عربي ومذهبه علانية، وقد أثارت في زمانها ردود فعل مختلفة. وكذلك علقت على مواضع من ترجمة ابن عربي التي كتبها محيي الدين المناوي ....
فجاءت لغة الكتاب سهلة قريبة متيسرة لأغلب طلاب العلم، ولم نتعمق فيه في مناقشة المسائل. بل كان هدفنا هو تقريب المعاني ولفت النظر إلى المباني الأصلية لبعض جهات هذا المذهب، وهذا الكتاب أشبه بمقدمة لما يتبعه من الكتب التي تناقش مذهب وحدة الوجود ورجاله وأعلامه بإذن الله تعالى، وبعض هذه الكتب من تأليفنا وبعضها من تأليف غيرنا من المهتمين بهذه البحوث العويصة.
ولذلك فإن هذا الكتاب وإن كان يساعد في تثقيف طلاب العلم في هذا المجال، إلا أنه يشتمل على بحوث رصينة بلغة سهلة قريبة تناقش فيها بعض المطالب بمستوى معين من التدقيق والتعمق يليق بما لأجله وضع الكتاب.
وسنتبع هذا الكتاب - إن شاء الله تعالى - بمجموعة من الكتب التي تشتمل على بحوث دقيقة، بعضها ناقشنا فيه آراء النابلسي، وبعضها آراء ابن عربي، وغيرهما من أكابر القائلين بهذا المذهب الخطير. وندعو الله تعالى أن يكتب هذا العمل في ميزان حسناتنا، وأن يجعل فيه فائدة وعلما للقراء ينبههم على أهمية الاطلاع على هذه المسائل. وسوف تزداد قيمة هذه البحوث والدراسات عندما نبين ما لها من علاقة وثيقة بالكثير من الاتجاهات الفكرية المعاصرة في الشرق والغرب، أو ببعض الدعوات الطارئة في هذا الزمان. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وليس لنا إلى غير الله حاجة ولا مذهب
الأصلين للدراسات والنشر
من مقدمة الكتاب بتصرف.
طرق الدفع المتاحة


مناقشات وردود مع الشيخ عبد الغني النابلسي | د. سعيد فودة
التعريف بالكتاب
(مُنَاقَشَاتٌ وَردُودٌ مَعَ الشّيخ عَبدِ الغَنيّ النّابلسِيّ)
قد أوجب الله تعالى على أهل العلم بيان هذا الدين، ولم يعذرهم بإنكار الناس والمخالفين عليهم، ولا التشنيع عليهم، بل أمرهم بالجدال بالتي هي أحسن، وذلك بحسب الوسع والطاقة. ولن تزال هذه الوظيفة مناطة بأهل العلم والباحثين الذي تصدوا لمضايق المسائل، وما يحتاجه الناس في دينهم، وهم يعلمون أن النكير والأذى متوجه عليهم، والواجب دائما الثبات على الطريق الحق والصراط المستقيم ما أمكن.
ومما نراه صار واجبا في هذا الزمان البدء بالكشف شيئا فشيئا عن مذهب خطير، بناه أصحابه على أصول مخالفة لأصول أهل السنة، وفرعوا عليه فروعا عجيبة يصاب المرء بالدهشة إذا فهم ما يقولون؛ لأنه يعلم تماما أن كثيرا من أقوالهم تفضي إلى مناقضة ما استقرت عليه أفهام أعلام الإسلام من مختلف الفرق الإسلامية فضلا عن أهل السنة والجماعة القائمين بالحق عبر القرون والعصور. ونحن نشير إلى أهل مذهب وحدة الوجود وأتباع ابن عربي الحاتمي، لا إلى زعيمهم بعينه.
وقد أظهرنا للناس أجمعين في الكتاب الذي أصدرناه في مسألة تحول عذاب أهل النار إلى عذوبة بعد فترة من الآلام، أن كثيرا من الأصول التي يبني عليها ابن عربي رأيه النظر والاستدلال بالكتاب والسنة، وتأويلات خاصة له لكلمات في بعض آيات القرآن أو أحاديث رسول الله عليه الصلاة والسلام لا يكاد يستسيغها من يعرف قواعد الأصول أو وضع اللغة العربية وقواعدها النحوية والبيانية.
ونحن يجوز لنا أن نعيد النظر فيما قرروه من كلتا الجهتين ، أما دعوى العرفان والكشف، فيجب أن لا يخالف الكشف ما أظهرته أدلة الشريعة، كما اتفق على ذلك أهل السنة وغيرهم من أعلام المسلمين من مختلف الفرق، وأما ما ساقوه من تأويلات وأفهام أو معارضات لكلام الأعلام، فنحن وهم فيه سواء، الحجّة بالحجّة والدّليل بالدّليل.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا يساهم في الكشف عن جوانب لبعض أعلامهم المشهورين الذين جاهدوا الناس في سبيل الدفاع عن ابن عربي وعن مذهب وحدة الوجود، وناقضوا كل من خالفه، وحاولوا إبطال كل دليل وحجة أقيمت لإظهار بطلان مذهبهم، وكتب في ذلك عدة كتب، وهذا المدافع الشهير عنهم القائل بمذهبهم هو الشيخ الشهير عبد الغني النابلسي الذي كتب مجموعة كبيرة من الكتب في مختلف العلوم الحديثية والفقهية والعقائدية وغيرها.
وقد أظهرنا في هذا الكتاب مجموعة من الجهات والاعتبارات التي تتعلق بالشيخ عبد الغني النابلسي، وخصوصا ما يتعلق منها بمذهب وحدة الوجود، ودفاعه عنه، وتأويلاته لبعض الآيات والأحاديث، وطرائق رده على المخالفين، وتعامله مع الموافقين والمخالفين لمذهبه المختار، وتدبيره لأمور المريدين من الطلاب والمشايخ الذين يتعامل معهم.
واعتمدت أساسا على كتاب مراسلات النابلسي المسمى بوسائل التحقيق ورسائل التوفيق، وهي عبارة عن مجموعة رسائل خاطب بها مشايخ وأصحابًا، وبعضها رد فيها على علماء...
وليس قصدنا التشنيع عليه فيما خالفناه فيه، ولا الحط من مكانته ولا من مقامه، فليس ذلك وارادا في حساباتنا أصلا، ولكن المقصود هو النقد العلمي لآرائه التي ننافح عنها بطريقة منصفة بحسب القدرة والطاقة، والدفاع عما نعتقد أنه الأحق بالصواب باتباع الموازين العلمية المعتبرة. وإظهار وجاهة مذهب أهل السنة كما وضحه وقرره المحققون من أعلامهم، وحرصًا منّا على عدم الخلط بين المذاهب والجمع بين الأصول المتعارضة فإن هذا من أعظم أسباب إضعاف المذاهب والطرائق العلمية لما يشتمل عليه من تناقض وتضاد داخلي سيفضي ولو بعد حين إلى إعمال أثره ليترتب الضعف والخمول ويسيطر على مشاعر المنتسبين إليه وعقولهم.
فتنقية المذهب مما يشوبه هو في نظرنا من أعظم أسباب استرجاعه لقوته وإحداث الآثار الحقيقية المترتبة عليه، ولذلك فإن التفسيرات الخاطئة لأي مذهب غالبا ما تكون سببا في اندثاره وفي تراجع الناس عن الاعتقاد به والعمل بما يقتضيه..
وأيضًا ناقشنا بعض الرسائل المتعلقة بابن عربي، كالرسالة التي كتبها العلامة مجد الدين الفيروزآبادي وسماها الاغتباط بمعالجة ابن الخياط، ردّ فيها على الفقيه أبي بكر ابن الخياط في رسالته التي وضّح فيها موقفه من ابن عربي ومذهبه علانية، وقد أثارت في زمانها ردود فعل مختلفة. وكذلك علقت على مواضع من ترجمة ابن عربي التي كتبها محيي الدين المناوي ....
فجاءت لغة الكتاب سهلة قريبة متيسرة لأغلب طلاب العلم، ولم نتعمق فيه في مناقشة المسائل. بل كان هدفنا هو تقريب المعاني ولفت النظر إلى المباني الأصلية لبعض جهات هذا المذهب، وهذا الكتاب أشبه بمقدمة لما يتبعه من الكتب التي تناقش مذهب وحدة الوجود ورجاله وأعلامه بإذن الله تعالى، وبعض هذه الكتب من تأليفنا وبعضها من تأليف غيرنا من المهتمين بهذه البحوث العويصة.
ولذلك فإن هذا الكتاب وإن كان يساعد في تثقيف طلاب العلم في هذا المجال، إلا أنه يشتمل على بحوث رصينة بلغة سهلة قريبة تناقش فيها بعض المطالب بمستوى معين من التدقيق والتعمق يليق بما لأجله وضع الكتاب.
وسنتبع هذا الكتاب - إن شاء الله تعالى - بمجموعة من الكتب التي تشتمل على بحوث دقيقة، بعضها ناقشنا فيه آراء النابلسي، وبعضها آراء ابن عربي، وغيرهما من أكابر القائلين بهذا المذهب الخطير. وندعو الله تعالى أن يكتب هذا العمل في ميزان حسناتنا، وأن يجعل فيه فائدة وعلما للقراء ينبههم على أهمية الاطلاع على هذه المسائل. وسوف تزداد قيمة هذه البحوث والدراسات عندما نبين ما لها من علاقة وثيقة بالكثير من الاتجاهات الفكرية المعاصرة في الشرق والغرب، أو ببعض الدعوات الطارئة في هذا الزمان. والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وليس لنا إلى غير الله حاجة ولا مذهب
الأصلين للدراسات والنشر
من مقدمة الكتاب بتصرف.